الثَّبَاتُ بَعْدَ رَمَضَانَ: تَذْكِيرٌ وتَنْبِيهٌ وَتَحْذِيرٌ!

يقول الحق تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾.[الحجر: 99]. هذا النداء موجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يستمرَّ على عبادة ربِّه حتى يأتيه الموت، وهكذا يجب أن يكون حال العبد: مستمرًّا على طاعة الله، ثابتًا على شرعه

أبريل 1, 2025 - 12:06
أبريل 8, 2025 - 07:11
 2  18
الثَّبَاتُ بَعْدَ رَمَضَانَ: تَذْكِيرٌ وتَنْبِيهٌ وَتَحْذِيرٌ!

#الثَّبَاتُ بَعْدَ رَمَضَانَ: تَذْكِيرٌ وتَنْبِيهٌ وَتَحْذِيرٌ!
بقلم الكاتب #عمر محمد إبراهيم 

يقول الحق تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾.[الحجر: 99].
هذا النداء موجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يستمرَّ على عبادة ربِّه حتى يأتيه الموت، وهكذا يجب أن يكون حال العبد: مستمرًّا على طاعة الله، ثابتًا على شرعه، يعلم - وهو يودع شهر رمضان -: أن ربَّ رمضان: هو ربُّ بقية الشهور والأيام.

والمسلمون عند وداع رمضان ينقسمون إلى فريقين: 
1) فريق يفرح بانقضائه، وكأنه الجبل على صدره!!؟؛ لأنه ما عرَف حقيقة الصيام، ولا تلذَّذ بالقرآن، ينتظر انتهاء الشهر على أَحَرَّ مِن الجمر؛ ليشرب ما حرَّم الله، ويأكل ويشرب، ويطلق العنان لنفسه، يهتف بلسان حاله عند نهاية الشهر:

رمضانُ ولَّى هاتِها يا ساقي * مشتاقةً تسعى إلى مشتاقِ 
ما كان أكثره عليَّ إلافها * وأقله في طاعة الخلاقِ 

وهذا الصنف: هم المحرومون في رمضان؛ لأنه إن صاموا: لا يزيدون عن صوم العموم.

2) والفريق الثاني: هم العابدون الذين يفرحون بقدوم رمضان، وعند فراقه: ينادون بلسان الحال على شهر رمضان، يقولون له في نهايته:" يا حبيب الصالحين، يا حبيب المستغفرين، يا حبيب التوابين، يا شهر رمضان ترفَّق، فدموع المحبين تتدفَّق، وقلوبهم من ألم الفراق تشقق.

بين الجوانحِ في الأعماق سُكناهُ * فكيف تنسى ومن في الناس ينساهُ 
في كل عامٍ لنا لُقيا محبَّبة *  تهزُّ كلَّ كياني حين ألقاهُ 
بالعين والقلب بالآذان أرقُبُه * فكيف لا وأنا بالروح أحياهُ 
ألقاه شهرًا لكن في نهايته * يمضي كطيف خيال قد لمحناهُ 
في موسم الطُّهر في رمضان الخير تجمعنا *
محبةُ الله لا مالٌ ولا جاهُ 
من كل ذي خشية لله ذي ولعٍ * بالخير تعرفه دومًا بسِيماهُ 
قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا * والاستباق هنا المحمودُ عُقباهُ 
صاموهُ قاموه إيمانًا ومحتسبا * أحيَوْه طوعًا وما في الخير إكراهُ 
فالأُذْن سامعة والعين دامعة * والروحُ خاشعة والقلب أوَّاهُ 
وكلُّهم بات بالقرآن مندمجًا * كأنه الدم يَسري في خلاياهُ 
 

إن بعض الصالحين يستقيم حالُه في رمضان، فإذا ما انتهى الشهر: عاد إلى حالته القديمة وسِيرته الأولى!، فأفسَدَ ما أصلَحَ في رمضان، ونقض ما أبرم مع الله، فهذا عمره في هدم وبناء، ونقض وإبرام!!؟.

أخي الصائم الكريم: 
كن عبدًا ربانيًّا، ولا تكن رمضانيًّا، من كان يعبُد رمضان، فإن رمضان قد ولَّى وانقضى، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيٌّ لا يموت، ولتكن الشهور كلُّها رمضان، وحياتك كلها رمضان، واعلم: أن رمضان الصالحين لا ينتهي، قال أحد الصالحين:" الصَّوْمُ لَنْ يَنْتَّهِي، وَالقُرْآنُ لَنْ يَرْحَل، وَالمَسَّاجِدْ لَنْ تُغْلَقْ، وَالاِسْتِّجَابَةُ لَنْ تَتَوقَّف، وَالأَجْرُ لَنْ يَنْقَطِع، فَاعْبُد رَبَّك حَتَّى يَأتِيكَ اليَّقِين، وَكُنْ رَبَّانِيًّا، وَلاَ تَكُنْ رَمَضَانِيًّا". 
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:" إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة".(مسلم:6451)؛ أي: تصلح للسفر؛ أي: القليل من الناس: هو الذي يشكر ربَّه، وهو الذي يثبت على طريق الله، فلماذا لا تكون صاحب همة عالية!!؟. 
لا ترضى بالدون، ولا تقنع بما دون النجوم، فأهل العزائم علموا حقيقة الحياة، وأنها حياة كدٍّ وتعب وعناء، وفقهوا قوله تعالى لنبيِّه:﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾.[الشرح: 7]؛ أي: فرغت من عبادة يا محمد، فادخل في عبادة جديدة، وقرَّروا أن تكون الراحة في الجنة إن شاء الله.
ولما سئل إمام أهل السُّنة:( أحمدُ بن حنبل) رحمه الله: متى يجد العبد طعم الراحة؟. قال:" عند أول قدم يضعها في الجنة"، وسار على الدرب:( إبراهيم بن أدهم) رحمه الله؛ حيث أرشد أهل العزائم، فقال: "إذا أردت أن تقترب من درجة الصالحين، فأغلق باب الراحة، وافتح باب الجهد، وأغلق باب النوم، وافتح باب السهر، وأغلق باب الأمل، وتأهب للموت".

قال الشيخ:( عبد الرزاق البدر) حفظه الله:
" للشيطان هجمة شرسة بعد رمضان!، فاحذرها واستعذ بالله منه".
لذلك، وجب على كل مؤمن: الحذر من الغي بعد الرشد، ومن الحور بعد الكور، ومن الانحراف بعد الاستقامة؛ بالانتكاسة بعد رمضان: اتباعا لهوى النفس ووسوسة الشيطان!.

لقد أمر الله عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، ونهاهم عن إبطال أعمالهم بمعصيته ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال سبحانه:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾. [محمد: 33]، عن شهر بن حوشب قال: قُلتُ لأمِّ سلمةَ: يا أمَّ المؤمنينَ، ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ؟. قالَت: كانَ أَكْثرُ دعائِهِ:" يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ". قالَت: فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ؟. قالَ:" يا أمَّ سلمةَ، إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ، فمَن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغَ"؛ فتلا معاذٌ: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا.(صحيح الترمذي: 3522).

فليحرص المؤمن على الوسائل المعينة على الثبات بعد رمضان، ومنها:

1- المحافظة على صلاة الجماعة: 
المساجد تشكو بَثَّها وحزنها إلى الله بعد رمضان؛ تسأل عن عُمَّارها في رمضان، فالمساجد بيوت الأتقياءُ، عمَّارُها:﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾.[النور: 37]؛ فقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة".(مسلم:540).

أتدري كيف كان حال السلف مع صلاة الجماعة؟، يحكي:( حاتم الأصم) رحمه الله موقفًا حدث له، يقول:" فاتتني الصلاة في الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد؛ لعزَّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدِّين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا".
أحد السلف يسمى:( سليمان بن حمزة المقدسي).